“أن تنشر كتابًا يعني أنك عريت قلبك أمام الجميع، تØدثت بأعلى صوتك، رغم ذلك أنت لا تدري هل سيضيع صوتك خل٠كل هذا الضجيج، أم سيصغي لبوØÙƒ Ø£Øد”.. بهذه العبارات قدمت القاصة والكاتبة السعودية سلمى بوخمسين لمجموعتها القصصية “على سÙرر” الصادرة عن دار أثر للنشر والتوزيع بالسعودية.
![](http://mogasaqr.com/wp-content/uploads/2020/08/٢٠٢٠٠٨٠٨_١٣٢٨٢٧1-scaled.jpg)
تضم المجموعة ست عشرة قصة قصيرة، أشبه بلوØات قلمية متصلة منÙصلة ÙÙŠ آن، ÙÙÙŠ ارتباطها بالمرأة ومعاناتها المتواصلة من أجل الوجود والØرية وإثبات الذات والوÙاء بالاØتياجات الأساسية اتصال بØراك ومعركة أزلية أبدية ÙÙŠ المجتمعات الذكورية، ويأتي الانÙصال ÙÙŠ أن لكل قصة شخصيتها المستقلة ÙˆÙكرتها وبنائها المميز.
قصص بوخمسين منØوتة بØرÙية من الواقع ومستقاة بامتياز من الذاكرة إلا أن لمسات الكاتبة بثت Ùيها من تجربتها وروØها ÙˆØياتها Øياة كاملة صنعت ثراءها وخصوصيتها وتÙردها، ولهذا لا تملك إلا أن تصدق هذا الواقع على مرارته ÙˆØªØ¬Ù†Ø Ø¨Ø§Ù„Ø®ÙŠØ§Ù„ لأبعد Øدود العقل ÙÙŠ الانتصار على كل القيود والإÙلات من المستØيلات الهشة القاسية ÙÙŠ آن، وهكذا نجØت القاصة ÙÙŠ بناء عوالمها القصصية من أمكنة وأزمنة تتØرك Øركات تقدمية للمستقبل الواعد، وتجرها ÙÙŠ المقابل قوى الشد التاريخية القديمة التي Øركت الأØداث وبنيت على أساسها الشخصيات ÙÙŠ تصاعد متناغم رغم التناÙر الØقيقي بين معاناة المرأة وطموØاتها، انتصاراتها البسيط وانكساراتها المتعددة، ورغم هذا النسيج القصصي الذي ÙŠØمل ÙÙŠ داخله الأضداد، إلا أن بوخمسين نجØت ÙÙŠ تجاوز Ùكرة الكتابة النسوية والأدب النسائي، Ùقدمت نماذج طامØØ© رغم معاناتها الشديدة، ولم تق٠بهن ÙÙŠ خندق الضØية ورÙع أك٠المظلومية وندب الØظوظ، بل Ù‚Ùزت بنماذجها النسائية التي لعبت دور البطولة لتتخطى القوالب والأنماط الجامدة للمرأة والتي صنعتها المجتمعات الذكورية بامتياز.
اقتربت الكاتبة من عوالم المرأة المقهورة وبمشرط Ø¬Ø±Ø§Ø Ù…Ø§Ù‡Ø± تعاملت مع عذاباتها، وبخÙØ© ورشاقة وانسياب٠سرد، عبرت بصيغ بلاغية راقية وصور وأخيلة مكثÙØ© عن Øاجات المرأة الأساسية ورغباتها وتطلعاتها وقيودها المتÙاوتة الشدة بلا ابتذال، ما بين جنة تنشدها على الأرض ÙÙŠ صورة Øياة هادئة مستقرة ÙŠØÙ‚ لها Ùيها Ø§Ù„Ø¨ÙˆØ ÙˆØ§Ù„ÙƒÙ„Ø§Ù… والضØÙƒ والرقص والبكاء Øتى الدموع، وجنات أخرى يرسمها لها الرجل الشرقي على مقاسه وهواه الديني والقيمي والقبلي المجتمعي، جنة لا تØلم هي بها ولا تشبهها إذ ترى Ùيها الجØيم Ù†Ùسه!
تمس المجموعة القصصية “على سÙرر” قضايا بالغة الأهمية ÙÙŠ عوالم المرأة بالمجتمعات العربية، ÙÙÙŠ قصتها “انتظار” اقتراب Øقيقي من نظرة المجتمع Ù„Ùئة أصØاب الهمم ذوي الإعاقات ÙÙŠ صورة Ø·Ùلة جميلة أقعدتها إعاقتها وقيدت شخصية أمها القاسية الØادة، ومنها تدل٠الكاتبة لزواج الصغيرات القاصرات ÙÙŠ زمن ولى إلى غير رجعة!
أما ÙÙŠ قصتها “قاب قوسين” Ùتغوص الكاتبة بسلاسة وعذوبة ÙÙŠ علاقات الØب والÙقد والهجر والانكسارات العاطÙية بين زوجة تÙقد زوجها ومØب عاشق ÙŠÙقد صديق عمره ويلتقي بØبه الأول ÙÙŠ لقاء عابر ترانزيت لساعات خاطÙØ© بين المطار والØÙŠ القديم.
تقول بوخمسين:” قضيا ليلتهما تلك ÙÙŠ رثائه، ÙيضØكان Øينًا لذكرى جميلة، ÙˆØينًا يصمتان، وتتØدث بدلًا عنهما الدموع Ø£Øيانًا أخرى”. وتقÙز ÙÙŠ سرديتها البديعة لتص٠جمال المرأة ÙÙŠ Øزنها Ùتقول:
هل هو واهم أم إن الØزن يزيد النساء بهاءً؟ ÙØين تØزن المرأة لا تتكل٠ولا تتصنع ولا تتجمل ولا تجرØØŒ Ùهي أضع٠من أن تقسو وبهذا ØªØµØ¨Ø Ø£Ø·Ù‡Ø± وأجمل”.
تنتصر الكاتبة ÙÙŠ أكثر من قصة Ù„Ùكرة الإنسان، ولا تق٠بنوعها الاجتماعي ÙÙŠ خانة الضØية الÙريسة المظلومة التي تعاني قهر الرجال وإن كان بعضه واقعًا، بل تنتصر لبنات Øواء ضد مقولات وأنساق ترÙضها كمقولة أن معظم أهل النار من النساء، ÙÙÙŠ قصصها وضعت نماذجها النسائية “على سÙرÙر” مرÙوعة موشاة بجنات ÙˆØرير وسندس وإستبرق ورياØين، على رغم قسوة الواقع، ÙÙÙŠ قصتها البديعة “الله ØÙŠ” تنتصر الكاتبة على Ù†Ùسها الضعيÙØ©Ø› إذ ترصد تجربة سÙر المرأة وارتباطها بدينها ولباسها وقيمها وأخلاقياتها Øتى إن بعدت عن الأصول والجذور مكانيًّا، كما تقترب أكثر من تصورات الغرب عن المجتمعات العربية ونسائها وعقولهن على وجه التØديد، وتقدم نموذجًا إيجابيًّا Ù„Øضور أخاذ وإيجابي للمرأة العربية التي تكسر كل الصور النمطية المغلوطة عنها والتي راجت بقسوة ÙÙŠ الغرب.
تستعير الكاتبة ÙÙŠ هذه القصة تابوهات الأجداد ومقولات الأمهات: “كل الغرباء خطرون وسيئون هكذا ربتنا أمهاتنا، ومهما كبرنا وتعرÙنا على المزيد من الغرباء لا نزال لا نعشق إلا من يشبهنا”.
تنتصر الكاتبة للإنسان الذي كرمه رب الأكوان والأديان وتنتصر لتعاليم دينها وعروبتها وعاداتها وتقاليدها دون أن تنسلخ من جلدها أو تنقم على Øياتها وترÙضها، بل تسعى دائمًا لغد Ø£Ùضل، ÙÙÙŠ سÙرتها الخارجية Ù„Øضور ورشة عمل ووجودها على منصة الØديث للوهلة الأولى وسط أشخاص لا تعرÙهم، يختلÙون عنها كليًّا ÙÙŠ اللغة والدين والعادات والتقاليد، تثبت Øضورها وجدارتها وتكسر نمطًا مغلوطًا للمرأة السلبية المنكسرة المنغلقة ÙÙŠ خيمتها السوداء، ÙˆÙÙŠ المساء وبعد تردد لقضاء آخر ساعات السÙر ÙÙŠ نزهة بها Øلقة ذكر وإنشاد ديني، يطرب لها الجميع تكش٠نÙسها هي ÙÙŠ Ù„Øظة نادرة، ÙÙÙŠ قصة “الله ØÙŠ” يردد الذاكرون “الله ØÙŠ” ÙØªØ³Ø±Ø Ù‡ÙŠ بذهن شارد خارج Øدود قاعة الذكر لترى الله Øيًّا ÙÙŠ كل شيء من Øولها، ÙÙŠ كل إنسان على وجه الأرض: “الله ØÙŠ ÙÙŠ كل مرة كنت أنطقها، كنت أدرك لها بعدًا جديدًا، أجل Ùالله ØÙŠ ÙÙŠ قلبي أنا، بكل سقطاتي وزلاتي، بكل سهوي وجنوني الذي Ø£Øمله معي Øيث أرتØÙ„ØŒ الله ØÙŠ ÙÙŠ قلوب هؤلاء الذاكرين، الذين سعوا إلى أوطان تعبده طائعين، الله ØÙŠ ÙÙŠ قلب القهوجي يراه ÙÙŠ كل قرش يجمعه كي يصل به إليه، وإن كان Ù…Øاطًا بالمعاز٠كل مساء”.
هكذا تمضي الكاتبة ÙÙŠ قصتها لتصل إلى نقاء قلبها الثلجي الناصع البياض وإن ارتدت عباءتها السوداء الÙضÙاضة وبرقعها الأسود… تقترب المجموعة القصصية من قيود الزواج الصارمة ÙÙŠ الجزيرة العربية، والانتماءات الرسمية والقبلية، ÙتØزن وتوجعنا معها بواقعية السرد المكث٠ÙÙŠ قصتها “جائعة” ويالها من دلالة وبلاغة ÙÙŠ اختيار عنوان القصة التي تص٠جوع المرأة للØياة!
تقول بوخمسين على لسان بطلة القصة: “قبل شهرين تقريبًا، وقع خبر التØاق ابن عمتي البكر بصÙو٠المجاهدين على قلوبنا جميعًا كالصاعقة، يريد أن يدÙع مهر Øوريته بالموت، أما علم أن ÙÙŠ بيت خاله Øورية تريد الØياة مهرًا لها!
ثم تذر٠الكاتبة زÙرة أسى Øارقة ÙÙŠ وجه واقع أليم على لسان بطلة القصة Ùتقول:” إيه يا ابن العمة، أنا Øوريتك المنشودة، أنا الثروة القومية المهدورة، أنا الكاعبة التربة، أنا التي لم يمسسني إنس قبلك ولا جان، أنا البكر المختومة بختم ربي بانتظار Ø£Øمق مثلك”.
قصص “على سÙرر” كاشÙØ© لتناقضات مجتمعية، تنتصر Ùيها الكاتبة صاØبة التجارب الÙنية والأدبية المتعددة ÙÙŠ كتابة السيناريو والكتابة للمسرØØŒ لإرادة الØياة والØب والأمل والنقاء الإنساني الذي يتØدى كل المستØيلات والقيود الوهمية Ù†ØÙˆ غد Ø£Ùضل للمرأة ولبني الإنسان عامة.
د. سمير Ù…Øمود
Logo70@tvtcorp-eggmail-com